إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
90236 مشاهدة
السنة وحي كوحي القرآن

يقول: والسنة أيضا تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن، أخذ ذلك بعضهم من قول الله تعالى في أول سورة النجم: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى فقالوا: كل ما ينطق به فإنه ليس عن هواه، وإنما ينطق بما أوحى الله تعالى عليه.
فتكون السنة تنزل كما ينزل القرآن ، قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بنزول الوحي عليه؛ أنه أحيانا يلقي الله تعالى في فهمه وفي قلبه ما يلقيه وما يقذف به من الفهم؛ فيكون ذلك من الوحي.
تميزت السنة عن القرآن بأنها لا تتلى ، أي لا يتقرب بتلاوتها كما يتقرب بتلاوة القرآن. فإن تلاوة القرآن فيها أجر، وتقرأ في الصلاة، ويشترط في الصلاة قراءة الفاتحة، ويسن قراءة غيرها. فقراءة أحاديث من السنة لا تكفي ولو كانت متواترة، لا يكفي أنه يؤتى بها بدل القرآن؛ فلا يتعبد بتلاوة السنة كما يتعبد بتلاوة القرآن، ولا يحصل إعجاز بتلاوة السنة كما يحصل إعجاز بتلاوة القرآن، الإعجاز الذي قال الله تعالى: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ خاص بالقرآن.
فالفرق بين الأحاديث وبين الآيات؛ أن الآيات يتعبد بتلاوتها دون الأحاديث ، وأن الآيات تصح الصلاة بها دون الأحاديث، وأن الآيات يحصل الإعجاز بها دون الأحاديث، ويتحدى بالآيات ولا يتحدى بالأحاديث، وأن الآيات نقلت بالتواتر، وأكثر السنة نقلت بالآحاد.
يقول: قد استدل الإمام الشافعي رحمه الله وغيره من الأئمة على ذلك بأدلة كثيرة ليس هذا موضع ذلك، تجدون ذلك في كتاب الرسالة للشافعي وقد شرحها أحمد شاكر شرحا مطولا وعلق عليها، فهي متوفرة؛ ففيها أدلة كثيرة في فقه السنة، وأن السنة يجب العمل بها، وكذلك في كتبه الأخرى.
يقول: والغرض أنك تطلب تفسير القرآن من القرآن، فإن لم تجده فمن السنة، ثم استدل بحديث معاذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن بم تحكم؟ وفي رواية: كيف تحكم؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد، قال: بسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد، قال: أجتهد رأيي. فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره، وقال: الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يرضي رسول الله .
جود الشيخ إسناد هذا الحديث، يقول: وهذا الحديث في المسانيد والسنن بإسناد جيد، مع أن بعض العلماء طعنوا فيه وضعفوه؛ ولكن أكثرهم يجزمون بصحته، وقد تكلم عليه الحافظ ابن حجر في كتابه التلخيص الحبير، وحكى عن بعض الفقهاء أنهم يجعلونه في الصحيحين؛ مع أنه ليس في الصحيحين، وإنما وجد في بعض كتب السنة، وهذا تصحيح من شيخ الإسلام له بقوله بإسناد جيد، أقره النبي صلى الله عليه وسلم على تقديم القرآن على السنة، وذلك دليل على أن السنة في المرتبة الثانية؛ أن من لم يجد الحكم في القرآن التمسه في السنة، وأنه مثلا لو وجد حديثا مخالفا للقرآن عمل بالقرآن؛ لأن القرآن متواتر، وعرف أن هذا الحديث مخالف، إما أنه منسوخ وإما أنه ضعيف.