تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
89882 مشاهدة
السنة وحي كوحي القرآن

يقول: والسنة أيضا تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن، أخذ ذلك بعضهم من قول الله تعالى في أول سورة النجم: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى فقالوا: كل ما ينطق به فإنه ليس عن هواه، وإنما ينطق بما أوحى الله تعالى عليه.
فتكون السنة تنزل كما ينزل القرآن ، قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بنزول الوحي عليه؛ أنه أحيانا يلقي الله تعالى في فهمه وفي قلبه ما يلقيه وما يقذف به من الفهم؛ فيكون ذلك من الوحي.
تميزت السنة عن القرآن بأنها لا تتلى ، أي لا يتقرب بتلاوتها كما يتقرب بتلاوة القرآن. فإن تلاوة القرآن فيها أجر، وتقرأ في الصلاة، ويشترط في الصلاة قراءة الفاتحة، ويسن قراءة غيرها. فقراءة أحاديث من السنة لا تكفي ولو كانت متواترة، لا يكفي أنه يؤتى بها بدل القرآن؛ فلا يتعبد بتلاوة السنة كما يتعبد بتلاوة القرآن، ولا يحصل إعجاز بتلاوة السنة كما يحصل إعجاز بتلاوة القرآن، الإعجاز الذي قال الله تعالى: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ خاص بالقرآن.
فالفرق بين الأحاديث وبين الآيات؛ أن الآيات يتعبد بتلاوتها دون الأحاديث ، وأن الآيات تصح الصلاة بها دون الأحاديث، وأن الآيات يحصل الإعجاز بها دون الأحاديث، ويتحدى بالآيات ولا يتحدى بالأحاديث، وأن الآيات نقلت بالتواتر، وأكثر السنة نقلت بالآحاد.
يقول: قد استدل الإمام الشافعي رحمه الله وغيره من الأئمة على ذلك بأدلة كثيرة ليس هذا موضع ذلك، تجدون ذلك في كتاب الرسالة للشافعي وقد شرحها أحمد شاكر شرحا مطولا وعلق عليها، فهي متوفرة؛ ففيها أدلة كثيرة في فقه السنة، وأن السنة يجب العمل بها، وكذلك في كتبه الأخرى.
يقول: والغرض أنك تطلب تفسير القرآن من القرآن، فإن لم تجده فمن السنة، ثم استدل بحديث معاذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن بم تحكم؟ وفي رواية: كيف تحكم؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد، قال: بسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد، قال: أجتهد رأيي. فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره، وقال: الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يرضي رسول الله .
جود الشيخ إسناد هذا الحديث، يقول: وهذا الحديث في المسانيد والسنن بإسناد جيد، مع أن بعض العلماء طعنوا فيه وضعفوه؛ ولكن أكثرهم يجزمون بصحته، وقد تكلم عليه الحافظ ابن حجر في كتابه التلخيص الحبير، وحكى عن بعض الفقهاء أنهم يجعلونه في الصحيحين؛ مع أنه ليس في الصحيحين، وإنما وجد في بعض كتب السنة، وهذا تصحيح من شيخ الإسلام له بقوله بإسناد جيد، أقره النبي صلى الله عليه وسلم على تقديم القرآن على السنة، وذلك دليل على أن السنة في المرتبة الثانية؛ أن من لم يجد الحكم في القرآن التمسه في السنة، وأنه مثلا لو وجد حديثا مخالفا للقرآن عمل بالقرآن؛ لأن القرآن متواتر، وعرف أن هذا الحديث مخالف، إما أنه منسوخ وإما أنه ضعيف.